أهذه تضحية؟..
كنت أحبها.. لا بل لازلت أحبها، وسأظل.. كانت كل حياتي.. كل ما أملك.. كانت اللحظات التي تجمعنا سوياً هي السعادة بعينها.. لم أكن أتصور أن أحب أحداً هكذا.. كانت تملأ حياتي.. كنت أشعر -وأنا بعيد عنها- أني طفل صغير ضاع وسط الزحام.. لم يعد له مأوى يسكن إليه.. مرفأ يرسو فيه.. لكل هذا كنت أحبها، ولهذا أيضاً.. ضحيت بكل ما أملك من أجلها..
تعرفنا في الجامعة.. كانت في نفس الفرقة التي كنت بها.. كان أول يوم لي في الدراسة.. تلاقت أعيننا.. كانت عينها تخترقني كأنها سهم أصابني في مقتل.. في قلبي.. اقتربت مني.. سألتني: "لو سمحت الجدول متعلق فين؟" تهت في هذه الكلمات.. شعرت بأني قد نسيت الكلام.. لم أستطع أن أرد.. كل ما فعلته أن مددت يدي بهذه الورقة التي كنت أمسكها، والتي كنت قد دونت فيها جدول المحاضرات.. ابتسمت ابتسامة ساحرة، وقالت: "شكرا"..
في ذلك اليوم شعرت بأن حياتي قد تغيرت.. أصبح قلبي يدق.. كنت أحب أن أراها أمامي دائماً.. ازدادت علاقتنا.. أصبحنا صديقين.. كنت أحكي لها كل شيء.. وشيئاً فشيئاً أصبحنا حبيبين.. نعم.. لقد قلت لها: "أنا بحبك.."... احمر وجهها.. لم تنطق.. أخفت هذه الابتسامة الساحرة التي أعشقها.. وتعاهدنا.. تعاهدنا على الحب..
ماذا أفعل؟.. إنني مازلت شاباً في مستهل طريقي.. لا أستطيع أن أتقدم لها؛ فأنا مازلت طالباً.. ماذا أفعل؟.. كانت هذه الكلمات تطاردني دائماً، ولذلك أخذت قراري.. قررت أن أعمل.. أعمل بكل طاقتي لكي أستطيع أن أكون رجلاً يعتمد عليه.. عملت في محطة للبنزين.. أهملت دروسي.. اقتربت الامتحانات، و.. رسبت.. نعم لقد رسبت، ونجحت هي..
حين رأيت اسمي في كشوف الراسبين لم أفاجأ.. كان هذا أمراً متوقعاً.. وقتها قلت لنفسي: "كل ده يهون عشانها.. المهم إني أقف على رجلي عشان أقرب منها..".. زاد انهماكي في العمل أكثر وأكثر.. كنت أشعر بأنها قد بدأت تبتعد عني.. كنت أعلل ذلك لنفسي بأنني أنا الذي انشغلت عنها بالعمل، ومر عام آخر.. ورسبت أيضاً.. وفصلت من الكلية "وماله المهم إني أقدر أفتح البيت اللي هيجمعنا"...
في اليوم الذي شعرت فيه بأني أصبحت قادراً على أن أتقدم لها كنت أشعر أني أطير بلا جناحين.. ذهبت لها.. قابلتها.. قلت لها: "حبيبتي.. أنا... عايز آجي لبابا عشان أطلب إيدك..".. نزلت كلماتها كالصاعقة: "إنت خلاص ما بقتش تنفعني.. أنا مش ممكن أتجوز واحد فاشل..".
"أنا فاشل.. هي دي آخرتها.. بعد كل التضحيات اللي عملتها علشانك.." لم تنتظر حتى لتسمع كلماتي.. لم أجدها أمامي.. تركتني.. تركتني بلا عودة..
أهذا جزاء التضحية؟.. لقد ضحيت بمستقبلي من أجلها؛ ولكنها لم تقدر ذلك.. أكنت أنا المخطئ؟.. هل فهمت أنا معنى التضحية خطأ؟.. هل ضحيت من أجلها أم أنني ضحيت بي وبها وبحبنا معا؟..
ما رأيكم؟.. أليست هذه هي التضحية؟