يا امّايا يا امّا شدي الضفاير شدي رباطها عصبيني
لو قادرة يا امّا لو قادرة يا امّا قيديها وقيديني
وصلتني كلمات الأغنية من نافذة الجيران تحمل معها نسمات الليل الباردة وشعور قاتل بالوحشة والبرودة تتسلل من أطراف جسدي لتنسدل بسكين حام على أوتار قلبي... أخذت نفساً عميقاً؛ فتصاعدت أنفاسي لتتشابك في أحرف قليلة... "وحشتيني يا ماما".
تعود بي الذاكرة لأجد نفسي بين أرجل أمي.. أستشعر يديها الحانيتين، وهي تصفف شعري وتجدل فيه ببراعة لا مثيل لها.. أجد نفسي فجأة أحاول الفرار لا لسبب بل لعند يعشش بداخلي "مش بحب الضفيرة".
أرى وجه أمي وتعبيرات قلة الحيلة مرسومة على وجهها وصوتها يرن في أذني:
"يا حبيبتي علشان يبقى شكلك حلو".
ولا يهدأ لي بال حتى أفك قيد الجدايل... وأستمع بتلذذ لكلماتها المنكسرة:
"ربنا يهديك يا بنتي"، وأشعر بحلاوة الانتصار الكاذب...
لم أكن أبداً تلك الطفلة المطيعة... مشدودة الجدايل... كان دائماً شعري ينسدل على ظهري وينسدل معه كم رهيب من الاعتراضات... لا أذكر أنني نفذت أي طلب لأمي بدون مناقشة أو جدال لدرجة أنني في بعض الأحيان كنت أعترض لمجرد الاعتراض حتى أشبع رغبتي في أن أنفذ ما يحلو لي...
أتذكر ردودي السخيفة دائماً... فلم أكن أطيق سماع نصائح المقربين من الأهل والأصدقاء، وحديثهم عن بطولات أمي وتضحياتها بعد وفاة والدي، وعزوفها عن الزواج وهي في ريعان شبابها "يعني إيه تتجوز؟.... أكيد ما فيش حد يقدر يحل مكان بابا".
أو عن سهرها وتعبها حتى تلبي لنا احتياجاتنا ولا تشعرنا بالحاجة لأحد أو أننا أقل من غيرنا... "ده واجب أي أم وطبيعي تعمل كده ما جابتش حاجة من عندها".
لم أمهلها أبداً الفرصة لكي تفرح... حتى الفرحة التي تنتظرها كل أم حولتها لكابوس يطاردها ليل نهار... عندما أحببت ذلك الشاب الوسيم، وأخذت قرار الارتباط به... الحياة كانت لا تزال صورة مشوشة غير واضحة المعالم، ومع ذلك قررت أن أتخذ من هذه الصورة المشوشة خريطة لمستقبلي... لم أستمع لتوسلات أمي أن أفكر وأن أصبر قليلاً.. أن أمهلها الفرصة لأستمع لها... أن أحافظ على كرامتي.. أن أرفض الزواج سراً من هذا الشاب المنتمي لأسرة غنية لن تقبل بزواجي منه، "أنا شايفة إن هو ده الإنسان المناسب لي.. كفاية إنه هيسيب العز ده كله علشان خاطري أنا بس".
أخذت القرار وأخذت من قلب أمي سجادة أمشي عليها دون رحمة في يوم زفافي... وضحيت بوجودها بجانبي في ذلك اليوم... وبعد أيام من زواجي استطاع زوجي أن يروض ما بداخلي من "عند".. لم يكن عندي القدرة على الاعتراض؛ فقد كان الضرب والكلام الجارح الرد الوحيد على أية مناقشة... لم أعد أراه إلا قليلاً.. أصبحت كماً مهملاً في حياته... منعني من الإنجاب بحجة أنه لم يسوِّ أموره مع أهله بعد، ولم أستطع الاعتراض.. كلماته كانت دائماً تلجمني...
هل تسامحيني بعد أن ضحيت بكِ... أرجوكِ سامحيني سأجري عليك وأحتمي في صدرك... سأترك دموعي تنهمر دون خجل... سأرتمي تحت قدميك وأتركك تجدلين شعري وتجدلين معها مشاعري؛ فأنت أدرى الناس بها... خبئيني من هذا النذل.. لا أريد أن أسمع صوته مرة أخرى.. لا أريد أن أسمعه يكررها ثانية "عايزاني أعاملك إزاي وإنت ضحيتِ بأغلى ما عندك... بأهلك... وبأمك؟؟!!!!"